فصل: الكلام في نكاح الزناة والمشركين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (3):

.الكلام في نكاح الزناة والمشركين:

قال الله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)}.
الظاهر أنّ المراد من النكاح هنا العقد، لأنّ أكثر استعماله في لسان الشرع بمعنى العقد، بل قال الزجّاج وغيره: إنه لم يرد في كتاب الله إلا بهذا المعنى.
وظاهر أيضا أن كلّا من الجملتين خبر، وأنّ معناهما أنّ الزاني لا يتزوج إلا زانية أو مشركة، وأن الزانية لا يتزوجها إلا زان أو مشرك، ولو أجرينا هذين الخبرين على ظاهرهما كانا غير مطابقين للواقع، فإنّا نرى الزاني قد يتزوج المؤمنة العفيفة، والزانية قد يتزوجها المؤمن العفيف. فكان إجراء الجملتين على ظاهر هما مشكلا، وللعلماء في حلّ هذا الإشكال تأويلات منها القوي، ومنها الضعيف، وسنذكرها مرتبة على حسب ترتيبها في القوة فيما نرى.
1- إن الكلام نهي جيء به في صورة الخبر للمبالغة، ويؤيده قراءة عمر بن عبيد لا {يَنْكِحُ} بالجزم، ويكون التحريم على ظاهره، والإشارة إلى النكاح المفهوم من الفعل، وكان الحكم كذلك في صدر الإسلام، ثم نسخ.
قال سعيد بن المسيب: كان الحكم عاما في الزناة ألا يتزوج أحدهم إلا زانية، ثم جاءت الرخصة، ونسخ ذلك بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ} والزانية من أيامى المسلمين، وبهذا القول قال مجاهد والشافعي والجبّائي وغيرهم. وعلى هذا الرأي اعتراضان:
أحدهما: أنّ العام لا ينسخ الخاصّ، لاسيما على أصل الشافعي، فإنّ ما تناوله الخاص متيقّن، وما تناوله العام مظنون، فالعام المتأخر محمول على الخاص.
والثاني: أنّه يلزم عليه حلّ نكاح المسلم للمشركة الوثنية، وحلّ نكاح المشرك للمسلمة، فإنّ الجملة الأولى وردت على سبيل الحصر، فتنحل إلى جملتين:
أولاهما: تفيد أنّه يحرم على الزاني أن يتزوج المؤمنة العفيفة.
وثانيتهما: تفيد أنّه يباح له أن يتزوج الزانية، والمشركة وثنية أو من أهل الكتاب.
وكذلك الجملة الثانية تنحل إلى جملتين.
أولاهما: تفيد أنّ الزانية لا يتزوجها المؤمن العفيف. وثانيتهما: تفيد أنّ الزانية يحل لها أن تتزوج الزاني والمشرك.
ولأصحاب هذا التأويل أن يقولوا في دفع الاعتراض الأول: إنّ العام الذي اعتبرناه ناسخا قد انضمّ إليه من الآيات والأحاديث والإجماع ما صيّر دلالته على تناوله متيقنا، كدلالة الخاص على ما تناوله، قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} [النساء: 3].
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحرام لا يحرّم الحلال».
وأجمع فقهاء الأمصار على جواز أن يتزوج الزاني بالعفيفة، وأن تتزوج الزانية بالعفيف.
ولهم أيضا في دفع الاعتراض الثاني أن يلتزموا القول بأنّ نكاح المسلم للوثنية كان حلالا في صدر الإسلام، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وأن نكاح الكافر كان كذلك حلالا قبل الهجرة وبعدها إلى السنة السادسة سنة صلح الحديبية، وبعد غزوة الحديبية نزلت آية التحريم: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] ولا مانع أن تكون الآية التي معنا نزلت قبل السنة السادسة، ففي هذه السورة آيات نزلت قبل هذه السنة، وهي آيات قصّة الإفك: بل فيما روى ابن أبي شيبة عن ابن جبير ما يفيد أنّ هذه الآية التي معنا مكيّة، وحينئذ يكون النسخ قد تناول الحكمين في الآية جميعا.
2- إنّ هذه الآية وردت في تقبيح حال الزاني ببيان أنه بعد أن رضي بالزنى لا يليق به أن ينكح العفيفة المؤمنة، وإنما يليق به أن ينكح زانية مثله، أو مشركة أسوأ حالا منه. وكذلك الزانية بعد أن رضيت بالزنى لا يليق بها أن ينكحها مؤمن عفيف، وإنما يليق بها أن ينكحها زان مثلها، أو مشرك أسوأ حالا منها، فجملة: لا {يَنْكِحُ} في الموضعين خبر مراد به لا يليق به أن ينكح كما تقول: الشيخ لا يصبو، والسلطان لا يكذب، والأب لا يقتل ابنه، أي لا يليق بهم أن يفعلوا ذلك، نزّل فيه عدم لياقة الفعل منزلة عدم الفعل، وهو كثير في الكلام.
ثم الإشارة في قوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذلِكَ} إن كان الزنى المفهوم من قوله: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ} إلخ فالتحريم على ظاهره، وإن كانت الإشارة للنكاح المفهوم من الفعل فالمراد من التحريم معناه اللغوي، وهو المنع، مثله في قوله تعالى: {وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95)} [الأنبياء: 95].
وعلى هذا التأويل اعتراضان:
أولهما: أنه لا يتمشى مع سبب النزول فإنها نزلت: إما في مرثد بن أبي مرثد حين سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن نكاح عناق، وكانت من بغايا مكة، فلم يرد عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا حتى نزل: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} الآية فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا مرثد لا تنكحها».
وإما في جماعة من فقراء المهاجرين استأذنوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في التزوج ببغايا من الكتابيات والإماء، كنّ بالمدينة، فأنزل الله فيهم هذه الآية، وسواء أكان سبب النزول هو الأول أم الثاني، فإنّ الظاهر من سياقه أنّ الآية وردت لتحريم العفيفة على الزاني والزانية على العفيف.
وثاني الاعتراضين أنّ الآية على هذا التأويل تفيد أنه يليق بالزاني المؤمن أن يتزوّج بوثنية، ويليق بالزانية المؤمنة أن يتزوجها مشرك.
ولأصحاب هذا التأويل أن يقولوا في دفع الاعتراض الأول: الآية على هذا المعنى لا تنافي سبب النزول، فإنّه لا مانع أن يكون قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لمرثد: «لا تنكحها».
معناه: لا يليق بك أن تتزوجها بعد أن علمت أنّ الله جعل من صفات المؤمن العفيف أنه لا يليق به من حيث هو مؤمن عفيف أن يرضى بنكاح الزانية، ولا مانع أيضا أن يكون فقراء المهاجرين كفّوا عن نكاح البغايا لهذا المعنى.
وأن يقولوا في دفع الاعتراض الثاني: إن اللياقة إنما هي بالنظر إلى الزنى، فلا ينافي أنه لاعتبارات أخرى يحرم على المسلم أن يتزوّج المشركة الوثنية، ويحرم على المسلمة أن تتزوج مشركا.
3- إبقاء الخبر على ظاهره وجعل الكلام مخرّجا مخرج الغالب المعتاد، جيء به لزجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنى. ومعناه أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنى والفجور لا يرغب غالبا إلا في فاسقة خبيثة من شكله أو في مشركة.
والزانية الخبيثة كذلك لا يرغب فيها في الأعم الأغلب إلا خبيث مثلها أو مشرك.
ونظير هذا الكلام لا يفعل الخير إلا تقي، وقد يفعل الخير من ليس بتقي، فيكون جاريا مجرى الغالب.
والإشارة في قوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذلِكَ} إن كانت للزنى فالتحريم على ظاهره، وإن كانت للنكاح فالتحريم بمعنى التنزيه، أي ينبغي أن يتنزّه المؤمنون عن ذلك النكاح، وعبر عن التنزيه بالتحريم للتغليظ، فإنّ نكاح الزواني يتضمّن التشبّه بالفسّاق، والتعرّض للتهمة وسوء القالة، والطعن في النسب، إلى كثير من المفاسد.
وعلى هذا التأويل اعتراضان:
الأول: أن إطلاق الزاني والزانية على من شأنهما الزنى والفسق لا يخلو عن بعد، لأنهما فيما تقدم من قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} لم يكونا بهذا المعنى، والظّاهر اتحاد معنى اللفظ في الآيتين.
والثاني: أنه ليس بمسلّم أن الغالب في الزاني أنه لا يرغب في العفيفة، فإنّ كثيرا من الزناة يتحرّون في النكاح أكثر مما يتحرّى غيرهم.
4- إبقاء الخبر على ظاهره، وتأويل النكاح على معنى الوطء، ويكون المراد الإخبار بأنّ الزاني لا يطأ حين زناه إلا زانية أو أخس منها، وهي المشركة.
والزانية لا يطؤها حين زناها إلا زان من المسلمين أو أخس منه، وهو المشرك. وحرم الله ذلك الزنى على المؤمنين.
وهذا القول مروي عن ابن عباس وعروة بن الزبير وعكرمة، وهو قول أبي مسلم.
وعلى هذا التأويل أيضا اعتراضان:
الأول: أن فيه إجراء لفظ النكاح على غير المعهود في القرآن.
والثاني: أن الزاني قد يزني بغير زانية، والعكس، فقد يعلم أحدهما أن هذا زنى، والآخر جاهل به يظن الحلّ، فيكون هذا الخبر غير مطابق للواقع، فإذا قالوا: إن الغالب في الزنى أن يكون معروفا للطرفين على أنه زنى.
قلنا: إن الكلام يكون حينئذ من قبيل الإخبار بالواضحات، إذ المآل أن الزاني حين يزني بزانية لا يزني إلا بزانية، وهذا كلام خال عن الفائدة، وغاية ما تمحّلوا له أنهم قالوا: إن معنى الآية الإخبار عن اشتراكهما في الزنى، وأنّ المرأة كالرجل في ذلك، فإذا كان الرجل زانيا فالمرأة مثله إذا طاوعته وإذا زنت المرأة فالرجل مثلها، ففائدة الخبر الحكم بمساواتهما في استحقاق الحد وعقاب الآخرة.
5- إنّ الخبر بمعنى النهي، والتحريم على حقيقته، والحكم مخصوص بسبب النزول، فتكون الآية واردة في قوم مخصوصين بأعيانهم، وفي تعيينهم خلاف يرجع إلى الخلاف في سبب النزول.
فعن ابن عباس وابن عمر أنّ جماعة من المسلمين كانوا في جاهليتهم يزنون ببغايا مشهورات متعالنات، فلما جاء الإسلام وأسلموا لم يمكنهم الزنى، فأرادوا لفقرهم زواج أولئك النسوة، إذ كان من عاداتهن الإنفاق على من تزوّجهنّ فنزلت الآية فكفوا عن زواجهن.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد رضي الله عنه، وكان رجلا يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، فكانت امرأة بغيّ بمكة، يقال لها: عناق، وكانت صديقة له، وكان وعد رجلا من أسرى مكة أن يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، فجاءت عناق، فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط، فلما انتهت إليّ عرفتني، فقالت: مرثد، قلت: مرثد، فقالت: مرحبا وأهلا، هلمّ فبت عندنا الليلة، فقلت: يا عناق قد حرم الله تعالى الزنى. قالت: يا أهل الخيام، هذا الرجل الذي يحمل أسراكم. قال: فتبعني ثمانية، فانتهيت إلى غار فجاءوا حتى قاموا على رأسي، وبالوا، فظلّ بولهم على رأسي، وأعماهم الله تعالى عني. قال: ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي، فحملته حتى قدمت المدينة، فأتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله! أنكح عناقا؟ فأمسك ولم يرد عليّ شيئا حتى نزل: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا مرثد لا تنكحها» أخرجه أصحاب السنن.
فالمراد بالزاني أحد أولئك القوم، أطلق عليه اسم الزنى الذي كان يفعله في الجاهلية للتوبيخ، فهو مجاز باعتبار ما كان، والمراد بالزانية إحدى هؤلاء البغايا، وهذا التأويل معترض من وجوه:
أولا: جعل سبب النزول حكما على العام، والمعتمد أنّ سبب النزول لا يخصّص.
ثانيا: أنه يبعد أن يعبّر في أحكام القرآن الكريم بلفظ عام ثم يراد منه قوم مخصوصون ينتهي الحكم بوفاتهم.
ثالثا: أنه يبعد كل البعد أن يصف الله بالزنى أحد أولئك القوم وهم مهاجرون قد أسلموا وحسن إسلامهم، ومحا الله عنهم كل أوضار الشرك وآثاره.
رابعا: عدم التوافق بين معنى الزاني والزانية هنا، ومعناها في الآية السابقة: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} إلخ وقد قلنا: إنّ الأولى اتحاد المعنى في كلّ من الآيتين.
ولعلّك تفهم من صنيعنا في ترتيب هذه التأويلات أنّ أقواها وأولاها بالصواب فيما نرى الأول والثاني.
وبعد... فإنا ذاكرون لك هنا خلاف السلف في تزويج الزانية، فعليّ وعائشة والبراء وابن مسعود في إحدى الروايتين عنه أنّ من زنى بامرأة أو زنى بها غيره لا يحل له أن يتزوجها.
وعن علي إذا زنى الرجل فرق بينه وبين امرأته، وكذلك هي إذا زنت.
وعن الحسن أنّ المحدودة في الزنى لا يتزوجها إلا محدود مثلها.
وأبو بكر، وعمر، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود في الرواية الأخرى عنه، ومجاهد، وسليمان بن يسار، وسعيد بن جبير في آخرين من التابعين، وفقهاء الأمصار جميعا: على جواز نكاح الزانية، وأنّ الزاني لا يوجب تحريمها على الزوج، ولا يوجب الفرقة بينهما.
ويؤيد هذا الرأي ما أخرجه الطبراني والدارقطني من حديث عائشة قالت: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن رجل زنى بامرأة، وأراد أن يتزوجها فقال: «أوله سفاح وآخره نكاح، والحرام لا يحرّم الحلال».
وما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما عن ابن عباس أنّ رجلا قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن امرأتي لا تمنع يد لا مس». قال صلّى الله عليه وسلّم: «غربها» قال: أخاف أن تتبعها نفسي قال: «فاستمتع بها».
وإسناده إسناد صحيح.
قال أبو سليمان الخطابي إمام هذا الفن في «معالم السنن» قوله: «لا تمنع يد لامس» معناه الزانية، وأنها مطاوعة من أرادها، لا ترد يده، قال: وقوله: «غرّبها».
أي أبعدها بالطلاق، وأصل الغرب البعد، قال: وفيه دليل على جواز نكاح الفاجرة.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فاستمتع بها».
أي لا تمسكها إلا بقدر ما تقضي متعة النفس منها ومن وطرها، والاستمتاع بالشيء الانتفاع به إلى مدة، ومنه نكاح المتعة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ} [غافر: 39]. اهـ.
وهكذا فسره المحققون من الفقهاء وأهل الحديث، فيكون فيه حجة على جواز نكاح الزانية، وعلى أنّ الزوجة إذا زنت لا ينفسخ نكاحها.
وأما تأويل من تأوّله على أنها سخية تعطي، ولا ترد من يلتمس منها مالا، فهو تأويل بعيد عن الصواب، إذ لو أراد هذا لقال: لا ترد يد ملتمس، ولقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أحرز عنها مالك.
وقد يقال: لماذا بدئ بالزاني هنا وبدئ بالزانية في الآية السابقة، وما السر في ذلك؟
والجواب: أنه بدئ بالزانية هناك لما علمت آنئذ وبدئ بالزاني هنا لأنّ هذه الآية مسوقة لذكر النكاح، والرجل فيه هو الأصل، لأنّ إبداء الرغبة والتماس النكاح بالخطبة إنما يكون من الرجل لا من المرأة في مجرى العرف والعادة.
قد يظن من لا يدقق النظر أنّ معنى الجملتين: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} واحد، وأنّه لا فرق بينهما، ولكن هذا ظنّ خاطئ، لأنّ معنى الجملة الأولى أنّ الزاني لا يرغب إلا في زانية أو مشركة، ولو اقتصر على هذه الجملة لم يعرف حال الزانية، فجاءت الجملة الثانية مبينة أنه لا يرغب فيها إلا زان أو مشرك، فالجملة الأولى تصف الزاني بأنّه لا يرغب في العفيفات المؤمنات، وإنما يرغب في الفواجر أو المشركات، والجملة الثانية تصف الزانية بأنّها لا يرغب فيها الأعفاء المؤمنون، وإنما يرغب فيها الفجار أو المشركون، وهذان معنيان مختلفان، لأنّه لا يلزم عقلا من كون الزاني لا يرغب إلا في زانية أنّ الزانية كذلك لا يرغب فيها غير الزاني، فجاءت الجملة الثانية مبينة لهذا المعنى.